سألني محمود -أحد المُتدرِبين لديّ- مؤخرًا: “ما هو أفضل مصدر للبروتين؟”
وكانت إجابتي – كالعادة – أن أفضل مصدر للبروتين هو ما يتناسب مع ميزانيتك وتفضيلاتك الشخصية، ولا يسبب لك أي حساسية أو مشكلة صحية.
لكنّه لم يكتفِ بهذه الإجابة، وقال: “افترض أننا في أكثر الظروف المثالية… لا توجد قيود أو حساسية، ما هو الأفضل في رأيك؟”
فأجبته: البيض!
في عام 2021، أجرى الباحثون دراسة قارنوا فيها بين مجموعتين من المتدربين:
- المجموعة الأولى تناولت 6 بياض بيض بعد التمرين.
- والمجموعة الثانية تناولت ثلاث بيضات كاملة.
ورغم أن كمية البروتين والسعرات كانت متساوية تمامًا بين المجموعتين، إلا أن النتائج كانت مُثيرة للاهتمام:
المجموعة التي تناولت البيض الكامل حققت زيادة أكبر في الكتلة العضلية مقارنة بمن تناولوا بياض البيض فقط!
دراسة صفار البيض ليست الوحيدة التي أظهرت هذا النوع من الفروق؛ فعندما قرأت تلك الدراسة، تذكرت تجربة أخرى قارنوا فيها بين من تناولوا 150 جرامًا من صدور الدجاج ومن تناولوا 150 جرامًا من اللحم الضاني ثلاث مرات أسبوعيًا.
وبعد ثمانية أسابيع فقط، كانت مقاسات الخصر أقل في مجموعة اللحم الضاني، ما يشير إلى خسارة أكبر في الدهون.

هذه الملاحظات البسيطة تفتح الباب لسؤال أعمق:
هل كل البروتينات فعلاً متساوية؟
وهل يمكن أن تكون بعض الأطعمة التي نتجنبها ظُلمًا –مثل صفار البيض أو اللحم الضاني– في الواقع مفيدة أكثر مما نعتقد؟

ولهذا السبب قررت كتابة هذا المقال، حيث إن لديّ عدة نظريات عن العناصر التي قد تكون سببًا في تلك النتائج:
الدهون غير المُشبَعة Unsaturated fats :
في دراسة نُشرت عام 2014، قام العلماء بزيادة 750 سعرًا حراريًا يوميًا في الأنظمة الغذائية لمجموعة من المتطوعين.
المجموعة الأولى تناولت حلويات مصنوعة من الدهون غير المشبعة، وهي الدهون الموجودة بكثرة في الزيوت النباتية والمكسرات.
أما المجموعة الثانية، فتناولت نفس الحلويات ولكن مصنوعة من الدهون المشبعة (Saturated fats) الموجودة في الزبدة ومصادر حيوانية أخرى.
بعد أسابيع، كانت النتيجة مثيرة للاهتمام:
المجموعة التي تناولت الدهون المشبعة زادت لديها الدهون بمقدار ضعف الزيادة التي حدثت في المجموعة الأخرى،
بينما المجموعة التي اعتمدت على الدهون غير المشبعة اكتسبت كتلة عضلية أكبر في نفس الفترة.
من المثير للاهتمام أن صفار البيض واللحم الضاني لا يحتويان فقط على دهون مشبعة كما يعتقد الأغلبية، بل يحتويان أيضًا على نسبة جيدة من الأحماض الدهنية غير المشبعة مثل اللينوليك (Linoleic acid)، في حين أن معظم الدهون الموجودة في صفار البيض هي في الواقع حمض الأولييك (Oleic acid) وهو نفس النوع السائد في زيت الزيتون المعروف بفوائده لصحة القلب!

و بمناسبة الدهون لديّ نظرية أن أحد أسباب نتائج الدراسة قد يرتبط بزيادة كمية فيتامين E الذائب في الدهون في الأطعمة الغنية بالدهون غير المشبعة،
لأن الزيوت النباتية، مثل تلك المستخدمة في المجموعة الأولى، غنية بفيتامين E بشكل طبيعي.
ودائمًا أراعي في أي نظام غذائي أضعه للعميل أن بعض الفيتامينات لا يمكن الاستفادة منها بالكامل عند تناولها على شكل مكملات فقط.
فبعضها يحتاج إلى زيادة الكمية لتعويض الفقد، وبعضها مهما زادت كميته فلن تُستفاد منه بالكفاءة نفسها.
فيتامين E مثال ممتاز على ذلك.
اسمه الكيميائي Alpha-tocopherol، وله ثمانية أشكال، لكن شكلًا واحدًا فقط هو الطبيعي الموجود في الطعام.
أما المكملات فتحتوي على خليط من جميع الأشكال، وبالتالي يكون امتصاصها أضعف.
في دراسة أُجريت في التسعينات، وُجد أن امتصاص الـ Alpha-tocopherol الطبيعي من الطعام كان أعلى بنحو 3.5 مرات من المكملات!
وفي دراسة أخرى، كانت كمية فيتامين E المطروحة في البول لدى من تناولوا المكملات أعلى بثلاثة أضعاف من أولئك الذين حصلوا عليه من الطعام!
وهذا يعني أن حتى مع زيادة الجرعة من المكملات، لن يحتفظ الجسم بالفيتامين بالكفاءة نفسها،
مما يؤدي إلى فقدان جزء كبير من الاستفادة، خاصة في عمليات الاستشفاء العضلي وصحة الأربطة والمفاصل،
وهو ما قد يزيد من احتمالية الإصابات ويؤثر في الأداء والتطور في التمرين.
وقد شرحت هذه النقطة بالتفصيل في مقال وفيديو سابق على اليوتيوب.
تزداد أهمية هذه المعلومة لدى من يتبعون أنظمة غذائية قاسية مثل PSMF،
لأن اعتمادهم الأكبر يكون على المكملات لتقليل الأكل قدر الإمكان.
لذلك، عندما أضع نظامًا غذائيًا لأي شخص، لا أكتفي بمراجعة نسب الفيتامينات والمعادن،
بل أنظر أيضًا إلى مصدرها الطبيعي، لأن ذلك يُحدث فارقًا كبيرًا في كفاءة الامتصاص والاستخدام داخل الجسم.
و اللوز والبندق من افضل مصادر فيتامين E، و هذا قد يفسر سبب أن بعض الدراسات وجدت أنه على الرغم من سعرات المكسرات العالية لا يحدث زيادة في الوزن بنفس مقدار زيادة السعرات، حيث إن لدي نظرية عن أن زيادة فيتامين E الطبيعي قد كان سببًا في زيادة الحركة الناتجة عن طريق زيادة الاستشفاء و تقليل الالتهابات في الجسم.
ولهذا السبب أستبدل الحليب العادي بحليب اللوز في برامج المتدربين الذين يعانون من حساسية أو مشاكل تمنعهم من تناوله أو في حالة احتياجي لتوفير سعرات المكسرات، لضمان توفير بديل صحي مناسب لهم.
أما بالنسبة للمصادر الحيوانية، فإن البيض واللحم الضاني من أعلى الأطعمة في محتواها من فيتامين E مقارنة بمعظم المصادر الحيوانية الأخرى، مما قد يفسر تلك النتائج كما ذكرت.
كما أن هناك نقطة مهمة جدًا: امتصاص فيتامين E لا يعتمد فقط على كميته، بل على الأطعمة التي يتم تناوله معها. ففي دراسة عام 2016، قام الباحثون بإضافة البيض إلى سلطة غنية بفيتامين E ، وكانت النتيجة زيادة الامتصاص بشكل كبير وصل إلى عدة أضعاف مقارنة بتناول السلطة وحدها.

الكوليسترول
ما نعرفه جيدًا هو أن صفار البيض واللحم الضاني من أعلى مصادر الكوليسترول، والنظرية الأكثر تداولًا – وربما الأكثر واقعية – هي أن الكوليسترول الغذائي قد يلعب دورًا محوريًا في بناء العضلات.
فأكبر الفروق بين تناول بياض البيض فقط وتناول البيض الكامل تتمثل في كمية الكوليسترول، وهو نفس الفرق الذي نلاحظه عند مقارنة صدور الدجاج باللحم الضاني مثلًا.

من الأدلة التي تدعم هذا الطرح أن أدوية خفض الكوليسترول (Statins) التي تُوصف عادةً لمرضى القلب، تُسبّب لدى كثيرٍ من مستخدميها انخفاضًا في القوة والكتلة العضلية، وقد تصل الأعراض الجانبية في بعض الحالات إلى تحلل الألياف العضلية (rhabdomyolysis)، أي موت خلايا العضلات نفسها.
هناك مفهوم خاطئ شائع يرى أن الكوليسترول “سم قاتل” وأنه السبب الرئيسي لأمراض القلب، لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الصورة أعقد من ذلك بكثير.
من الناحية الفسيولوجية، الكوليسترول يقلل من مدى تلف خلايا العضلات أثناء التمرين، ويؤثر على شدة الاستجابة للالتهابات، إذ إن تلف العضلات يؤدي إلى حدوث استجابة التهابية تجذب الخلايا المناعية التي تُساعد في التعافي، وهذه العملية لا تتم بكفاءة في حال انخفاض مستويات الكوليسترول في الجسم.
إضافة إلى ذلك، يُعتبر الكوليسترول عنصرًا أساسيًا في تكوين “الـ lipid rafts”، وهي تجمعات دهنية صغيرة تعمل تعزز التواصل بين مسارات بناء العضلات في الجسم.
بالتالي، فإن نقص الكوليسترول قد يؤدي إلى خلل في توجيه البروتينات (Protein missorting) وبالتالي إلى انخفاض كفاءة الإشارات المسؤولة عن تصنيع البروتين العضلي.
ومن المثير للاهتمام أن فينس جيروندا (Vince Gironda)، أحد أوائل روّاد كمال الأجسام في الخمسينيات والستينيات، كان من أشد المدافعين عن تناول البيض الكامل.

كان جيروندا يرى أن البيض الكامل مصدر ممتاز للبروتين، وصرّح أن التركيب الكيميائي للكوليسترول يشبه إلى حد كبير تركيب الهرمونات الستيرويدية التي تُعزز بناء العضلات.
كما أشار إلى دراسة في السبعينات أُجريت في أحد المستشفيات، حيث تم إعطاء ضحايا الحروق الشديدة كميات تصل إلى 35 بيضة يوميًا، وحقق المرضى نتائج إيجابية في تحسين التعافي من تلف الأنسجة.
فقد كان جيروندا يروّج لاستهلاك البيض الكامل منذ ستينيات القرن الماضي، أي قبل أن تؤكد الأبحاث الحديثة الدور البنّاء للكوليسترول في عملية نمو العضلات وإصلاحها.
و هناك ايضًا دراسة في عام 1991 على حالة شخص عمره 88 عام و يتناول 25 بيضة يوميًا و مستويات الكوليسترول لديه ممتازة في نفس الوقت!
ومن الجدير بالذكر أن انخفاض مستويات الكوليسترول في الدم قد ارتبط في بعض الدراسات بزيادة خطر الاكتئاب والميول الانتحارية، خاصةً لدى الأفراد المعرّضين لذلك نفسيًا. وهي أمور تؤثر بشكل غير مباشر على الأداء في التمرين، وبالتالي تنعكس سلبًا على عملية بناء العضلات والتعافي.
البيض، بالمناسبة، ليس الأعلى في محتوى الكوليسترول، حيث يُعتبر مخ البقرة المصدر الأعلى على الإطلاق؛ فكل 100 جرام من المخ يعادل تقريبًا 9 بيضات. قد تبدو الملاحظة غريبة للعديد من مُتابِعيني، لكن المخ في الحقيقة أكلة شعبية معروفة في مصر و هناك العديد من الوصفات المشهورة مثل مخ بانيه و المخ بالبيض، رغم أنها ليست شائعة بين الرياضيين الذين يجهلون أن هذه الأكلة غنية بالعناصر الغذائية المفيدة.
ومن الأدلة التي تُبرز أهمية الكوليسترول أنه عندما يُصاب شخص بالالتهاب الرئوي يحدث ما يُعرف بـ hypocholesterolemia، وهي حالة ينخفض فيها مستوى الكوليسترول في الجسم بشكل كبير.
في هذا السياق، أُجريت دراسة صينية عام 2016 حاول فيها الباحثون فهم العلاقة بين انخفاض الكوليسترول وتدهور الحالة الصحية في الأمراض المعدية، خصوصًا أمراض الرئة.
أجرى الباحثون تجربة على مرضى مصابين بالالتهاب الرئوي، قُسِّموا إلى مجموعتين:
الأولى تناولت 600 ملج إضافية من الكوليسترول يوميًا من صفار البيض لمدة عشرة أيام، بينما تلقت المجموعة الأخرى مكملًا خاليًا من الكوليسترول لكنه يحتوي على فيتامين A، نظرًا لدوره المهم في دعم المناعة.

تمت مراقبة المتغيرات الحيوية في كلتا المجموعتين ضمن نظام غذائي مضبوط يحتوي على 1 جرام بروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم.
وكانت النتيجة تحسنًا واضحًا في عدة مؤشرات، من ضمنها انخفاض ملحوظ في مؤشرات الالتهاب مثل CRP وIL-6، وتحسّن ملموس في شدة المرض مقارنةً بالمجموعة الأخرى.
خلص الباحثون إلى أن إضافة الكوليسترول حسّنت الحالة التغذوية، وقلّلت من شدة العدوى، وساهمت في تحسين تعافي المرضى.
وقد أشاروا إلى أن نقص الكوليسترول – خصوصًا في العدوى الرئوية – يرتبط بضعف المناعة وسوء التنبؤ بمآل المرض، وأن تعويضه غذائيًا يمكن أن يكون ذا أثر علاجي واضح.
من المثير للاهتمام أن الباحثين شبّهوا الكوليسترول في هذا السياق بما يشبه “فيتامينًا مفقودًا” أثناء العدوى، إذ لا يستطيع الجسم إنتاج كميات كافية منه خلال فترات المرض، رغم أهميته الحيوية في دعم الجهاز المناعي وبناء الخلايا.
ونفس الأمر يمكن ربطه بالتمرين، إذ ترتفع مؤشرات الالتهاب مثل IL-6 عندما نتمرن بشدة عالية، وهذا الارتفاع يُعَد استجابة طبيعية ومفيدة، لأنه مرتبط بزيادة القوة والحجم العضلي.
لكنّ استمرار ارتفاع تلك المؤشرات في أوقات أخرى خارج التمرين يُعطّل عملية الاستشفاء العضلي، وهنا يظهر دور الكوليسترول كعنصر غذائي مهم يجب أن يكون متوفرًا للعضلة كي تنمو.

ولهذا السبب، لا أنصح بتناول المكملات التي تحتوي على جرعات عالية من مضادات الأكسدة مثل فيتامين C و E قبل أو بعد التمرين مباشرة، لأن تأثيرها المضاد للالتهاب قد يُعطل الاستجابة الالتهابية الضرورية لبناء العضلات.
ومن الأسباب التي ألاحظها كثيرًا لتأخر النتائج لدى بعض المتدربين الذين أراجع معهم ممارساتهم السابقة، أنهم كانوا يتناولون المالتي فيتامين قبل أو بعد التمرين مباشرة، وهي غلطة شائعة، إذ كثيرون يحملون معهم الفيتامينات أو مكملات الأوميجا 3 التي يُضاف لها احيانًا فيتامين E C ليأخذوا جرعاتهم اليومية في الجيم!
الأمر لا يتوقف هنا، فحتى الدخول إلى الجاكوزي البارد أو ما يُعرف بالـ Ice Bath بعد التمرين مباشرة يُعد خطأً شائعًا آخر، لأنه يثبط الالتهاب بشكل مباشر ويُعطّل عملية البناء العضلي.
إن إدراك هذه التفاصيل الدقيقة يمنحك فهمًا أعمق لكيفية عمل الجسم، ويساعدك على اكتشاف الأخطاء التي كنت تقوم بها مسبقًا دون أن تدري، والتي ربما كانت السبب في تعطّل نتائجك.
الهضم
هناك حقيقة علمية راسخة مفادها أن أي عملية حيوية في جسم الإنسان لا تعمل بكفاءة مطلقة. فجزء من العناصر الغذائية المتناولة يفلت من الهضم والامتصاص، ويستمر في المرور عبر القناة الهضمية ليُطرح في النهاية مع الفضلات. و تعريف هضم البروتين هو أنه نسبة البروتين الذي يمتصه الجسم فعليًا مقارنةً بكمية البروتين المتناولة، مع الإشارة إلى أن التقييم العلمي لهذه النسبة يعتمد عمليًا على قياس امتصاص وطرح النيتروجين، ولا سيما النيتروجين المطروح في البراز.
فعلى سبيل المثال، إذا تم تناول 50 جرامًا من البروتين وظهر ما يعادل 5 جرام منه في الفضلات، فإن نسبة الهضم تكون 90%. وتُظهر الأبحاث بوضوح أن البروتينات ذات المصدر الحيواني تتمتع بقابلية هضم مرتفعة جدًا قد تصل إلى نحو 97%، بينما تنخفض هذه النسبة بشكل ملحوظ في البروتينات النباتية. ولهذا الأمر أهمية تطبيقية، إذ يتطلب الاعتماد على المصادر النباتية استهلاك كميات أكبر من البروتين لتحقيق نفس العائد.
كما تجدر الإشارة إلى أن إدعاءات شركات المكملات التي تزعم وصول بعض منتجات البروتين إلى معدلات هضم تفوق هذه القيم تُعد مبالغًا فيها، نظرًا لأن هذه النسب تمثل فعليًا الحد الأعلى الواقعي لكفاءة الهضم لدى الإنسان.

ويُعد البيض من أعلى المصادر الغذائية من حيث قابلية هضم البروتين وفقًا للقياسات المتاحة، في حين لا تتوفر بيانات مباشرة ومحددة عن قابلية هضم بروتين اللحم الضاني على وجه الخصوص، إلا أنه يُرجَّح أن تكون ضمن النطاق المرتفع ذاته.
فيتامين B9
يتميّز البيض واللحم الضاني باحتوائهما على كميات أعلى من فيتامين B9 (الFolate) مقارنةً بالدجاج، وهذه نقطة يغفل عنها كثير من الناس، خصوصًا عند مقارنة جودة مصادر البروتين الحيواني. ورغم أن بعض النباتات – مثل الخضار الورقي والبقوليات – تُعد من أغنى المصادر الغذائية بالفولات من حيث «الكمية»، إلا أن الفولات الحيواني يتفوّق من حيث الثبات والامتصاص والبقاء داخل الجسم.
فيتامين B9 الموجود في البيض والضاني يكون في صورته الطبيعية النشطة، وهو الشكل الذي يتعامل معه الجسم مباشرة عبر تخليق وتجديد الخلايا. وعلى عكس ذلك، فإن النباتي غالبًا ما يكون أقل ثباتًا؛ إذ يفقد جزءًا كبيرًا من محتواه أثناء الطهي والتخزين، كما أن امتصاصه يتأثر بارتباطه بالألياف، مما يقلل فعليًا من «الكمية الحقيقية» التي تصل إلى مجرى الدم.
وتدعم الدراسات البشرية هذا التفريق؛ فقد أظهرت الدراسات أن فيتامين B9 الطبيعي من الطعام الحيواني يُحتفظ به في الكبد بمعدل أعلى من الصناعي أو النباتي، وأن الجسم يستخدم المصدر الحيواني بكفاءة أكبر في عمليات تصنيع البروتين وانقسام الخلايا. أما الصناعي الموجود في المكملات، فهو شكل غير طبيعي لا يوجد في الطعام، ويُمتص بطريقة مختلفة، ويمكن أن يتراكم في الدم بصورته الأصلية، وهو ما قد يتداخل مع المصدر الطبيعي.
بالتالي، فإن وجود فيتامين B9 طبيعي في البيض واللحم الضاني يمنحهما ميزة إضافية في دعم عمليات بناء العضلات، مقارنة بالدجاج الفقير من تلك الناحية، وبالمصادر النباتية الغنية نظريًا ولكن منخفضة الاستفادة فعليًا من ناحية أخرى.
فيتامين D
الأطعمة الحيوانية الطبيعية مثل صفار البيض، اللحمة الضاني، الكبدة، والأسماك الدهنية تحتوي على فيتامين D3 وهي الصيغة النشطة مباشرة في الدم من فيتامين D . هذه الصيغة تُمتص بكفاءة أعلى من D3 الموجود في المكملات الغذائية، مما يجعل الأطعمة الطبيعية فعّالة في رفع مستوياته في الجسم.
ومن المهم الإشارة إلى أن معظم الفوائد الصحية المثبتة لفيتامين D في الدراسات العلمية تأتي من المصادر الطبيعية للطعام وليس من المكملات المعزولة، نظرًا لاحتواء هذه الأطعمة على أشكال مختلفة من فيتامين D، مما يوفّر تأثيرًا أكثر شمولًا على الصحة.

فتلك الأطعمة تحتوي ايضًا على الدهون الضرورية للوصول لأفضل امتصاص، و بدون تلك الدهون لن نجد تأثيرًا على الشكل النشط لفيتامين D في الجسم.

و انا اتذكر ايضًا قراءتي لإحدى الدراسات التي وجدوا فيها أن تناول بروتين الحليب بعد التمرين أدى إلى زيادة أكبر في الحجم العضلي مقارنة بنفس كمية بروتين الصويا.
من المميزات الهامة التي لاحظتها في بروتين الحليب مقارنة بالصويا، احتواؤه على كمية أكبر من حمض الثريونين Threonine، وهو حمض أميني أساسي مرتبط بتخليق البروتين العضلي. كما أن البيض واللحم الضاني يحتويان على كميات مرتفعة من الثريونين مقارنة بمصادر الحيوانية الأخري كالدجاج.

الكولين
الكولين عنصرٌ غذائيٌّ أساسيٌّ للحياة، وموجود في جميع خلايا الجسم. ونقصه قد يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشكلات النفسية والعصبية والجسدية، مثل ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات القلب، وضعف وظائف الكبد، ومشكلات في العظام والعضلات، بل وقد يصل الأمر إلى التأثير على الخصوبة. وكلما ارتفعت شدة التمرين زاد استهلاك الجسم للكولين، مما يجعل تعويضه أمرًا ضروريًا لأي شخص يمارس تدريبًا عالي الكثافة.ويُعد البيض أغنى مصدر عملي للكولين، لأنه يوفر كمية كبيرة ويمكن تناوله يوميًا بسهولة، فهناك مثلًا دراسة في 2005 لاحظ فيها العلماء إن مجرد إضافة بيضتين في النظام الغذائي أدى إلى زيادة كمية الكولين في الدم للضعف تقريبًا. وبعده تأتي الكلاوي والمخ والكبدة، بينما تُعد اللحوم الضاني من أكثر أنواع اللحوم احتواءً على الكولين.

وفي دراسة أُجريت عام 2014 في مصر، لاحظ الباحثون أن لاعبات التايكوندو والجودو اللواتي حصلن على كمية كافية من الكولين زادت قوتهن وانخفضت نسبة الدهون لديهن بدرجة أكبر مقارنة بالمجموعة التي لم تحصل على الكمية نفسها..

الكارنتين l-carnitine
نأتي الآن إلى الكارنتين. لطالما ذكرتُ أنه مكمل “غير ضروري” في أغلب الحالات، لأن الجسم قادر على تصنيعه ذاتيًا. لكنه يصبح مهمًا في حالةٍ واحدة: عندما يكون النظام الغذائي غير قادر على تغطية الاحتياجات الأساسية.
الكولين يلعب دورًا مهمًا في قدرة الجسم على الحفاظ على مستويات مناسبة من الكارنتين على المدى الطويل. وعندما يحدث نقص في الكولين، تتراجع قدرة الجسم على تصنيع الكارنتين. وبما أن صفار البيض من أغنى المصادر الطبيعية للكولين، فإن استبعاده قد يؤدي بشكل غير مباشر إلى انخفاض الكارنتين.
والمؤسف أن كثيرًا من المدربين الذين يكتبون مكملات الكارنتين في الأنظمة الغذائية هم أنفسهم من يعتقدون أن صفار البيض “ضار”، ويجعلون المتدربين يكتفون بالبياض فقط، من دون مراجعة الفيتامينات والمعادن في النظام الغذائي للتأكد من اكتمال احتياجات الجسم. وهكذا يُعالج العرض بدل معالجة السبب الحقيقي وهو نقص الكولين.
ولهذا لا ينبغي الاعتماد على من يقول: “بالخبرة رأيت نتائج مع الكارنتين”، لأن هذه الخبرة قد تكون مبنية على أساس خاطئ تمامًا.
كذلك يجب الانتباه إلى أن أنظمة مثل الكيتو أو الـPSMF، عند اتباعها لفترات طويلة دون تزويد الجسم باحتياجاته من الكارنتين، قد تضع عبئًا إضافيًا على الكبد. ولهذا أحرص في عملي على توفير فترات راحة من هذه الأنظمة أو التبديل بينها وبين أنظمة أخرى تحتوي على كربوهيدرات.
ومن المهم أيضًا معرفة أن بعض المكملات مثل L-Carnitine Plus، الفائدة التي يشعر بها المستخدمون غالبًا ليست من الكارنتين نفسه، بل من العناصر الأخرى الموجودة معه، مثل الزنك. فالكارنتين وحده لا يملك أي دليل علمي قوي يثبت أنه يزيد معدل الحرق أو يحوّل الدهون إلى طاقة كما يُشاع.
الاستثناء الوحيد المحتمل هو L-Carnitine L-Tartrate، وهو شكل كيميائي يرتبط فيه الكارنتين بمركّب الـL-Tartrate الذي يعمل كناقل يسهّل دخوله إلى الخلايا، وقد لاحظ العلماء في إحدى الدراسات أنه قد يملك تأثيرًا ملحوظًا في تحسين الأداء الرياضي.

وتُعد اللحوم الضاني أعلى مصدر طبيعي للكارنتين على الإطلاق، بينما يحتوي البيض على كمية أعلى من تلك الموجودة في الدجاج، وإن كان أقل من اللحوم بدرجة واضحة.
السيستين Cysteine
يُعد حمض السيستين من الأحماض الأمينية المهمة، ورغم أنه غير أساسي إذ يمكن للجسم تصنيعه، إلا أن وجود كمية مناسبة منه في النظام الغذائي يصبح ضروريًا عند ممارسة التمارين، خاصة مع زيادة الإجهاد العضلي أو عند التعرض للإصابة، إذ يلعب دورًا مهمًا في صحة الأربطة والأوتار والغضاريف. ومن الأسباب التي تجعل البيض والحليب مصادر مميزة للبروتين، من وجهة نظري، احتواؤهما على di-peptide glutamylcysteine بكميات عالية، وهو الشكل الأمثل للسيستين، مستقر وسهل الامتصاص للغاية.
السيستين بالمناسبة من العناصر التي اقوم على أساسها بقياس جودة مكملات البروتين مثل الواي بروتين، فإن طرق تصنيعها تختلف من شركة إلى أخرى، مما يؤثر على كمية السيستين المتاحة:
البروتين الذي لم يتعرض لمعالجة شديدة بالحرارة أو الضغط يحتوي على حوالي ثماني أضعاف كمية السيستين مقارنة بالبروتين المعالج بالحرارة العالية، وهذا أحد أسباب أن وصفات الطبخ التي تتعرض فيها مكملات البروتين لحرارة عالية لا تكون الأفضل إذا كان الاعتماد كبيرًا على المكملات.
- طريقة Ion Exchange قد تؤدي إلى تحلل السيستين أثناء المعالجة، لكنها شائعة لأنها الأرخص.
- طريقة Crossflow Microfiltration، المستخدمة غالبًا في إنتاج الواي آيزوليت، تعتبر أفضل، لكن يجب التأكد من أنها Cold Filtration لتجنب تعرض البروتين للحرارة العالية.
- طريقة Cold Filtration هي الأكثر أمانًا لأنها تقلل من تعرض البروتين للحرارة، وعادةً تُستخدم في الواي كونسنترِيت، مع ذلك لا يمكن التأكد دائمًا من مستوى الضغط المستخدم، مما قد يؤثر على كمية السيستين.
وبالتالي، غالبًا ما يحتوي الواي كونسنترِيت على كمية أعلى من السيستين، مما يجعله خيارًا جيدًا إلى جانب كونه أكثر اقتصادية، بينما الآيزوليت غالبًا أغلى دون زيادة كبيرة في الفائدة بالنسبة للسيستين.
أما الكمية التي تقل خلال التصنيع، فهي لا تختفي، بل تتحول إلى Cystine، وهو مركب مشابه للسيستين ويُستخدمه الجسم لأغراض مشابهة، لكن الخلايا العصبية والمناعية تفضل السيستين الحر، لذا يبقى التوازن بين السيستين والسيستين (Cystine) مهمًا للاستفادة المثلى.
لذلك، عند تقييم مكملات البروتين، يُنصح بالاطلاع على المصطلحات المتعلقة بطريقة المعالجة، مثل Cross Flow Microfiltration، Low Temperature، Low Pressure، Cold Filtered، خاصة إذا كان الاعتماد على المكملات عاليًا، كما في حالات السفر أو بعد عمليات التكميم، حيث قد يصبح الواي بروتين المصدر الرئيسي للبروتين في النظام الغذائي.
على سبيل المثال، شركات مثل Dymatize و Now تستخدم حرارة منخفضة في تصنيع البروتين، مما يجعلها خيارات ممتازة.
وبالطبع، إذا كان النظام الغذائي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة الطبيعية، فإن الأولوية تكون لضبط العناصر الغذائية من خلال الأكل، دون الحاجة للتركيز على تفاصيل تصنيع المكملات، إلا في الحالات التي يُصبح فيها المكمل جزءًا كبيرًا من البروتين المتاح للشخص، كما في بعض الظروف الاستثنائية.

كما أن الدراسات أثبتت تأثيرًا إيجابيًا لحمض ال Cysteine على مؤشرات كالهرمونات المسئولة على الجوع والشبع.
الأورنيثين L-ornithine
الـ Ornithine هو حمض أميني ضروري لتكوينCitrulline و Arginine، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون ناتجًا عنهم، وهما الأحماض الأمينية التي تستخدم كمكملات لتحسين ضخ الدم والأداء الرياضي، ولهذا السبب تجده موجودًا في بعض مكملات الطاقة مثل Weider HZRD Pre‑Workout الذي اعتبره من مٌكمِلات الطاقة المُفضَلة التي اصفها لبعض المُتدرِبين لدي بالمناسبة:

هناك دراسة أجريت في 2008 أظهرت أن تناول 2 جرام من الأورنيثين يوميًا لمدة أسبوع قد يحسن الأداء الرياضي بشكل ملحوظ، وهي كمية يمكن الحصول عليها طبيعيًا من 8 بيضات أو 400 جرام من اللحم الضاني، مما يجعل البيض واللحم الضاني من أعلى المصادر الطبيعية لهذا الحمض الأميني.
الحديد والزنك والبورون
بما أن الدراسة لم تذكر شيئًا عن تساوي نسب الفيتامينات والمعادن، فمن النظريات الموجودة لديّ أن هناك بعد العناصر الناقصة في دايت المجموعة التي تناولت بياض البيض فقط و تكون كميتها مُتركِزة في الصفار، كما تتواجد بكمية كبيرة ايضًا في اللحم الضاني
الزنك: في دراسة في عام 1996 لاحظ العلماء أن زيادة كمية الزنك عند الرجال الذين يعانون من نقصه سببت زيادة في كمية هرمون التستستيرون المسئول بشكل اساسي عن بناء العضلات لديهم تقريبًا للضعف!
البورون: وهو عنصر نباتي في الأصل و يعتمد على عدة عوامل مثل تغذية الحيوان، ولكنّه عندما يتواجد في الأطعمة الحيوانية يكون البيض واللحم الضاني أعلى مصادره، و قد لاحظ العلماء في دراسة إيرانية أُجريت في 2010 أن زيادة عنصر البورون في الدايت كان سببًا في تقليل الالتهابات و زيادة نسبة هرمون التستستيرون و تقليل نسبة بروتين SHBG الذي يقلل نشاط الهرمونات البنائية كالتستستيرون والاستروجين!
ولذلك ستجد البورون في مكملات مثل Six star testosterone booster، وهو أمر تحدثت عنه منذ سنوات طويلة بالمناسبة.
وبالمناسبة تحتوي المكسرات كاللوز والبندق ايضًا على اعلى كمية ممكنة من البورون الطبيعي، و هذا سبب آخر يجعلني اقوم بإضافتها في انظمتي الغذائية.

كما أن هناك دراسة وجدوا فيها أن التمر يؤدي لتحسين الأداء الرياضي عندما تم إعطاء الرياضيين بذور التمر المطحونة، و ما لاحظته أن التمر مصدر جيد للبورون، فقد يكون من ضمن الأسباب وراء تلك النتائج.
و قد يكون هذا كذلك سببًا في أن هناك دراسة في 2019 لاحظوا فيها تأثيرًا قويًا للبصل الأحمر على تقليل الدهون الضارة في الجسم، فهو من أقوى مصادر البورون سواء كان ذلك مقارنةً بباقي أنواع البصل أو بقية الأطعمة.
البروتينات والدهون المُرتبِطة بالسكريات
يُعرف البيض بكونه من أغنى الأطعمة بالبروتينات الكاملة، لكنه يخفي في داخله تفاصيل أكثر دقّة مما يراه معظم الناس.
فبروتينات مثل الـOvomucoid والـOvotransferrin ليست مجرد سلاسل من الأحماض الأمينية، بل ترتبط بها سكريات صغيرة تُعرف علميًا باسم الجلايكوبروتينات Glycoproteins ، وهي المركبات التي تُسهِم في بناء أنسجة الجسم وتنظيم مناعته.
أحد أهم هذه السكريات هو N-acetylglucosamine، وهو جزيء يدخل في عملية حيوية دقيقة تُسمى O-glycosylation، حيث يتم ربط السكريات بالبروتينات لتكوين بُنى معقّدة تلعب دورًا محوريًا في التواصل بين الخلايا وتجديد الأنسجة، بما في ذلك العضلات.
المثير للاهتمام أن الطبيعة تكرر نفسها أحيانًا في أماكن غير متوقعة.
ففي البندق، وخصوصًا في قشرته البنية الرقيقة، وُجدت مركّبات مشابهة تنتمي إلى نفس العائلة الكيميائية، مثل N-acetylgalactosamine ومشتقات الجالاكتوز، وهي عناصر تساعد البكتيريا النافعة في أمعائنا على النمو والتكاثر، فتُحسّن مناعة الجسم، مما قد يزيد قدرة العضلات على التعافي بشكل غير مباشر.
وفي دراسة أُجريت عام 2005، لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين كانوا يعانون من حساسية تجاه البندق تمكّنوا من تحمّله بشكل أفضل عندما تعرّضوا له تدريجيًا بجرعات صغيرة جدًا، وهو ما يُعرف بالعلاج المناعي التدريجي.
الفكرة بسيطة لكنها مدهشة: أحيانًا، التعرّض المنضبط لما يزعجنا هو ما يجعل أجسامنا تتقبله بمرور الوقت.
ومن هنا يمكننا أن نتخيل تطبيقًا مشابهًا في التغذية العلاجية،
فمن يعاني من تحسّس بسيط تجاه بعض الأطعمة مثل البيض يمكنه، تحت إشراف مختص كما أقوم مع المُتدرِبين لديّ، إعادة إدخالها تدريجيًا إلى نظامه الغذائي.
بهذا الشكل، نمنح أجسامنا فرصة لإعادة التكيّف، ليس فقط على مستوى المناعة، بل أيضًا على مستوى بناء العضلات وتجديدها بعد التمرين.
هل تعلم أن البيض واللحمة الضاني يحتويان على سكر الجالاكتوز، وإن كان بكميات أقل من مصادره التقليدية مثل اللبن والزبادي والجبنة؟ على سبيل المثال، يحتوي البيض الكامل على كمية مُتواضِعة من الجالاكتوز، فكما ذكرت: هناك بروتينات مرتبطة بالسكر (Glycoproteins) ودهون مرتبطة بالسكر (Glycolipids) في صفار البيض، حيث يرتبط الجالاكتوز بسلسلة البروتين أو الدهون، ولا يكون حرًّا. هذا يعني أن الجسم في تلك الحالة لا يمتصه بسرعة مثل السكر الحر، لكنه يتحلل تدريجيًا أثناء الهضم ويُستخدم في مسارات الطاقة بشكل مستمر ومتوازن.
أظهرت دراسة في 2013 أن تناول الجالاكتوز قبل وأثناء التمرين يقلل من الإحساس بالجوع مقارنة بنفس كمية السكر من الجلوكوز مثلًا، مع الحفاظ على توازن الطاقة خلال بقية اليوم، ما يعني إمكانية دعم فقدان الدهون بشكل غير مباشر، دون التأثير على الأداء الحركي.
ومن ثم، فإن مصادر مثل البيض واللحمة الضاني، رغم احتوائها على كمية أقل من الجالاكتوز مقارنةً باللبن أو الزبادي، تظل فعّالة بشكل كبير بفضل هذا التركيب، مما يفسر النتائج المميزة التي لوحظت في الدراسات، كما أنه يوضح سبب تميّز البروتين بشكل عام في زيادة الشبع. تناول البيض واللحمة الضاني يمد الجسم بالجالاكتوز بطريقة متوازنة، مما يدعم الطاقة والشبع دون زيادات مفاجئة في السكر بالدم.
حيث تختلف مصادر الجالاكتوز بحسب فعاليتها:
- المستوى الأول، المصادر عالية الفعالية: منتجات الألبان مثل اللبن، الزبادي، الرايب، والواي بروتين .
- المستوى الثاني، المصادر المتوسطة الفعالية: مثل البيض، اللحمة الضاني. على الرغم من احتوائها على كميات أقل من الجالاكتوز، إلا أن تركيبها المميز و العناصر الأخرى الموجودة يعزز من استخدام الجالاكتوز في الجسم ويخلق تأثيرًا تراكميًا، وهو ما قد يفسر النتائج المميزة لهذه المصادر في الدراسات العلمية.
- المستوى الثالث، المصادر منخفضة الفعالية: بعض الفواكه والخضروات والبقوليات مثل التفاح والكرز والبطيخ، حيث يكون محتوى الجالاكتوز قليلًا جدًا، وغالبًا مرتبطًا بألياف غير قابلة للهضم مثل Raffinose، مما يقلل جدًا من تأثيره العملي على الجسم.

ولهذا، أوصي بعض المتدربين بتناول مشروبات مثل مشروب الزبادو من جهينة أو بشكل عام مشروبات البروتين التي تحتوي على الجالاكتوز، قبل أو أثناء التمرين، كوسيلة ممتازة لدعم الشبع وتحسين توازن الطاقة، مع مراعاة تحمل الجهاز الهضمي للجالاكتوز، خصوصًا عند الجرعات العالية.
ويكون للأمر تطبيق عملي أكبر على المتدرب الذي يجوع بسبب التمرين، فتأثير التمرين على الجوع يختلف من شخص لآخر، خصوصًا من يتمرنون صباحًا على معدة فارغة. هنا يصبح الجالاكتوز وسيلة سريعة وفعالة لتجنّب شعور الجوع الذي قد يكون سببًا في تراجع الأداء، مع الحفاظ على طاقة الجسم واستمرارية التمرين بشكل أفضل.
فالجالاكتوز قد يكون ضمن العوامل التي أعطت الزبادي تأثيرًا ملحوظًا على التحكم في الشعور بالجوع عند إضافته في الأنظمة الغذائية في بعض الدراسات.
التأثير على المزاج
البيض واللحمة الضاني من أغنى الأطعمة بأحماض أمينية معينة تلعب دورًا مهمًا في المزاج والطاقة النفسية. من أهم هذه الأحماض التريبتوفان والفينيل ألانين.
التريبتوفان يعمل كسابق للسيروتونين، وهو الناقل العصبي المعروف بـ “هرمون السعادة”، الذي يؤثر على المزاج، النوم، والشعور بالراحة النفسية. أي أن كمية كافية من التريبتوفان تعزز إنتاج السيروتونين في الدماغ، مما يساعد على تحسين المزاج ومنع الاكتئاب، خاصة عند الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية منخفضة الكربوهيدرات وعالية البروتين، حيث تميل مستويات السيروتونين إلى الانخفاض بعد أسابيع أو أشهر.
أما الفينيل ألانين، فهو يتحول في الجسم إلى التيروسين، والذي يُستخدم لصنع نواقل عصبية مهمة أخرى مثل الدوبامين، والأدرينالين، والنورأدرينالين. هذه النواقل مسؤولة عن اليقظة، التحفيز، والطاقة العقلية. بمعنى آخر، كلما كانت مستويات الفينيل ألانين والتيروسين كافية، كلما شعر الشخص بمزيد من الحيوية، التركيز، والتحفيز النفسي.
السبب وراء هذه التأثيرات يعود إلى طريقة امتصاص هذه الأحماض الأمينية ونقلها للدماغ: التريبتوفان والفينيل ألانين تتنافس مع أحماض أمينية أخرى على نفس الناقل في الجسم، فإذا زادت النسبة للتريبتوفان مقابل الأحماض الأخرى، زاد دخوله للدماغ وبالتالي إنتاج السيروتونين. أما إذا قلّت نسبته، كما يحدث أحيانًا مع الدايت، فمستويات السيروتونين تقل ويظهر التعب أو المزاج السيء.
ومن هنا جاءت فكرة تناول مكملات مثل 5-HTP، الذي يعمل كسابق مباشر للسيروتونين في الدماغ، ليساعد على تعويض الانخفاض الجزئي في مستويات التريبتوفان الناتج عن الدايت عالي البروتين ومنخفض الكربوهيدرات، وبالتالي يدعم المزاج والنوم والطاقة النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر فائدة أيام “الفري” أو الوجبات عالية الكربوهيدرات (refeeds) التي اصفها للمتدربين لدي كل فترة، حيث تؤدي زيادة الكربوهيدرات إلى تقليل مستويات الأحماض الأخرى المتنافسة (BCAA) في الدم، ويزيد نسبة التريبتوفان إلى هذه الأحماض، وبالتالي يُسهّل دخول التريبتوفان إلى الدماغ وزيادة إنتاج السيروتونين مؤقتًا.

في إحدى الدراسات لاحظ الباحثون أن المجموعة التي تناولت الواي بروتين مع الكاسين أظهرت زيادة أكبر في الكتلة العضلية وانخفاض أكبر في الدهون. ومن خلال معرفتي بمحتوى الأحماض الأمينية في الواي والكاسين، التريبتوفان والفينيل ألانين يكونان أعلى عند الجمع بينهما مقارنة بكل منهما على حدة، وهو ما قد يفسر تفوق البيض واللحمة الضاني، التي تحتوي على أعلى مستويات هذين الحمضين الأمينيين بين مصادر البروتين الحيواني، في دعم المزاج والطاقة أثناء الدايت أو التمارين المكثفة.
لهذا، البيض واللحمة الضاني، لاحتوائهما على أعلى مستويات التريبتوفان والفينيل ألانين، يعتبران خيارًا ممتازًا لدعم المزاج والطاقة أثناء الدايت أو الأنظمة الغذائية المكثفة، لأنهما يوفران “وقودًا” مباشرًا للناقلات العصبية المسؤولة عن السعادة، التحفيز، والتركيز الذهني.
و تأتي السبيرولينا –نوع من الطحالب الدقيقة- كأحد المصادر النباتية الغنية بنفس الأحماض الأمينية، وهي من أقوى مصادر التريبتوفان والفينيل ألانين، وحتى بكميات أعلى من الدجاج.

في دراسة على 40 متطوعًا، تم إعطاء 2 جرام سبيرولينا يوميًا لمدة 8 أسابيع، لوحظ زيادة أكبر في القوة مقارنة بالمجموعة التي لم تتناول المكمل، و دراسة أخرى أظهرت أن دمج 6 جرام سبيرولينا يوميًا مع تمرين كارديو عالي الشدة ثلاث مرات أسبوعيًا أدى إلى زيادة أكبر في حرق الدهون مع الحفاظ على الكتلة العضلية.

التأثير على النوم
هناك إنزيم يُسمّى CYP1A2، وهو مسؤول عن تكسير الكافيين في الكبد؛ فإذا زاد نشاطه، يزداد تكسير الكافيين بسرعة، وإذا قل نشاطه، يصبح تكسير الكافيين أبطأ مما يجعل تأثيره أطول.
في دراسة عام 1994 على اللحوم المطهوة على حرارة عالية، لاحظ العلماء أن هذا النوع من الطهي يسرّع نشاط الإنزيم، وما لاحظته في دراسة اللحم الضاني هو أن اللحم كان مطهوًا على حرارة عالية، وقد يكون هذا ساهم في تحسين النوم لدى المتناولين، وبالتالي تحسين حرق الدهون، تقليل الشهية، وزيادة النشاط والطاقة خلال اليوم.

كما أن هناك دراسة عام 2013 لاحظت علاقة قوية بين نشاط CYP1A2 وامتلاء الخلايا بالمركبات الدهنية مثل الكوليسترول، والكولين، بالإضافة إلىSphingomyelin الموجود بكمية عالية في صفار البيض والكبدة، وكذلك في الحليب كامل الدسم؛ ولهذا يُعتبر الحليب كامل الدسم أفضل من الحليب خالي الدسم من حيث محتواه من Sphingomyelin الذي قد يساهم في تعزيز نشاط الإنزيم وتحسين النوم مع تراكم تلك المُركبات في الجسم على المدى البعيد.
بالإضافة إلى ذلك، الخضار الذي تتناوله مع هذه الأطعمة قد يؤثر أيضًا على نومك: البروكلي والخضروات من نفس العائلة مثل القرنبيط، الكرنب، الجرجير، الفجل، واللفت، تزيد من نشاط الإنزيم، مما يعني أن تناولها يُسرّع من تكسير الكافيين وخروجه من الجسم، وهذا يجعلها مُلائِمة بشكل اكبر لوجبة قريبة من وقت النوم.
أما البقدونس، الشبت، الكرفس، والجزر، فهي تقلل نشاط إنزيم CYP1A2 وتطيل مدة بقاء الكافيين في الجسم. لهذا، أقوم بإضافة كميات كبيرة منها لبعض المتدرّبين في وجبة الغداء إذا كانوا يستهلكون الكافيين قبلها أو بعدها، بحيث يحافظون على طاقتهم خلال اليوم بدون الحاجة لتناول القهوة لاحقًا، أو عندما يكون تمرينهم بعد تلك الوجبة.
الكرفس والجزر يحتويان كذلك على بعض الجالاكتوز، مما قد يدعم التمرين كما ذكرت. اختياري المُفضل هو الكرفس في حالة وجود وجبة قبل التمرين، فهو يحتوي نسبيًا على كمية جالاكتوز أعلى من الجزر، ويُعد مصدرًا ممتازًا لل Nitrate الذي يكون هدفنا زيادته في الجسم أساسًا عندما نتناول مكملات زيادة ضخ الدم مثل السيترولين.
وأخيرًا، الفواكه الحمضية التي تحتوي على مادة Naringin مثل الجريب فروت تقلل نشاط الإنزيم أيضًا، وبالتالي عند تناولها مع الكافيين يصبح مُعدَل تكسير الكافيين اقل بنسبة 23% في المُتوسِط إذا تناولت ثمرة واحدة فقط مع أو بعد وجبة قبل التمرين مع القهوة، مما يزيد من تأثير الكافيين كما ذكرت.
ولنفس السبب قد تكون لاحظت أن الشاي بالنعناع يعطي تأثيرًا أفضل على اليقظة مقارنة بالشاي بمفرده. فاستخدام النعناع في الطبخ (هناك وصفات للبيض واللحمة الضاني يدخل فيها النعناع أو صوص النعناع) أو السلطة التي تتناولها ضمن وجبة قريبة من وقت التمرين قد يزيد من تأثيره أيضًا عن طريق تقليل معدل تكسير الكافيين.
وعلى سبيل التذكير، كما أوضحت في أحد مقالاتي السابقة، للشاي الأخضر تأثير على تعديل تأثير الكافيين وجعله أكثر اعتدالًا، وذلك ليس فقط بسبب L-theanine الذي يمنح شعورًا بالهدوء، بل أيضًا لأنه يزيد من نشاط إنزيم CYP1A2، مما يسرع من تكسير الكافيين في الجسم ويقلل من تأثيره بنسبة تصل إلى حوالي 70%، مع الحفاظ على الطاقة إذا تم تناوله قبل التمرين مع مصدر الكافيين الأساسي. كما يمكن أن يساعد على النوم إذا أُضيف قبل النوم.
ومن ناحية الطهي، يُستخدم الشاي الأخضر أحيانًا في بعض الوصفات المُستوحاة من المطبخ الآسيوي مع الكفتة أو اللحمة الضاني، ما يجمع بين الفائدة الصحية والنكهة المميزة، وهي وصفات لذيذة جدًا سأشاركها قريبًا.
لنفس السبب، أضيف أحيانًا مكملات أعشاب مثل Ginkgo biloba –المتوفرة في مصر بأسماء تجارية مثلTebofortin في أنظمة بعض المتدرّبين الذين يعانون من مشاكل النوم، إذ إنها تزيد من نشاط CYP1A2، مما يسرّع تكسير الكافيين في الجسم ويقلّل من تأثيره على النوم. وهي متاحة عادة بتركيز 40 أو 80 ملغ، ويمكن ضبط الجرعة بحسب احتياجات كل متدرّب.
و في نهاية هذا المقال اؤكد على أن الصفار ليس الجزء “السيئ” من البيضة كما يُشاع، بل هو المكان الذي توجد فيه معظم العناصر المفيدة من الدهون والفيتامينات وحتى الكوليسترول نفسه.
ولذلك، فإن التخلص من صفار البيض اعتقادًا بأنه ضار يُعد في الحقيقة حرمانًا للجسم من مكوّن أساسي يشارك في النمو، والتعافي، وحتى في مقاومة الأمراض.



